للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدميٍ؛ فلها شروط ثلاثة هي: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدميٍ فشروطها أربعةٌ: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها؟ فإن كانت مالًا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذفٍ ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذَّنْب (١).

[الوجه الثاني: علامات التوبة المقبولة.]

أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها، ومنها أنه لا يزال الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون فهناك يزول الخوف، ومنها انخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها.

ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه وهذا هو تقطعه وهذا حقيقة التوبة لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه وخوفا من سوء عاقبته فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفًا تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.

ومن موجبات التوبة الصحيحة أيضًا كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب لا تحصل بجوع ولا رياضة ولا حب مجرد وإنما هي أمر وراء هذا كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحًا خاشعًا (٢).

قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ


(١) رياض الصالحين للنووي ص ١٧.
(٢) مدارج السالكين ١/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>