أحد من النصارى بألوهيتهم، فدل ذلك على أن غاية ما تدل عليه المعجزات نبوة أصحابها، وإلا لزم القول بألوهية كل من شارك المسيح في الأعاجيب التي صنعها الله على يديه. وإليك شيء من هذه المعجزات التي شاركه فيها غيره.
أ. الميلاد العذراوي: لقد كانت ولادة المسيح عليه السلام من غير أب بشري إحدى أعظم معجزاته عليه السلام، وقد تعلق بها القائلون بألوهيته، يقول ياسين منصور:"لو لم يولد المسيح من عذراء لكان مجرد إنسان". (١)
وهو بحق كذلك، بدليل أن بعض المخلوقات شارك المسيح في صورة هذه المعجزة الباهرة، أي ولادته من عذراء، من غير أب. فأصول سائر المخلوقات ومنهم البشر لا أب لهم ولا أم، ووجود آدم خلقًا سويًا أكبر وأكمل من خلقة المسيح الذي خلق جنينا في بطن أمه، ثم كبر بعد ذلك ونما. والميلاد من غير أب أعجوبة ولا ريب، لكنها لا تقتضي الألوهية بحال، ولو اقتضاها لاقتضى ألوهية أصول جميع الحيوانات، وألوهية أبوينا آدم وحواء، فقد ولد آدم من غير أب ولا أم، وولدت حواء من آدم، ولا أم لها. وذلك المعنى هو ما أرشدنا إليه الله بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} [آل عمران: ٥٩].
ورغم المثلية القائمة بين آدم وعيسى من جهة ميلادهما من غير أب، إلا أن آدم يتميز عن عيسى بأمور، منها أن آدم عليه السلام لم يخرج من بين نجو وطمث، وأيضًا فإن الله أسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء من علمه، كما كانت الجنة منزله، وقد تولى الله مناجاته بنفسه دون أن يرسل إليه رسولًا، إلى غير ذلك مما لم يكن لعيسى ولا غيره. فما دام آدم مميزًا بكل هذه المميزات، فلم لا تقول النصارى بألوهيته؟ !
وممن فاق المسيح في هذه المعجزة - حسب الكتاب المقدس - ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فإن بولس يزعم أن لا أب له ولا أم ولا بداية ولا نهاية، يقول:
(١) مسيحية بلا مسيح، كامل سعفان (٦٢)، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر (١٨٦).