للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البناء على رسمه، والوقوف عند حكمه. ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنًا: أرى في خطه لحنًا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ، وإفساد الإعراب، فقد أبطل ولم يصب؛ لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادًا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق، ومعلوم أنه كان مواصلًا لدرس القرآن، متقنًا لألفاظه، موافقًا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي (١).

ثامنًا: إن عثمان - رضي الله عنه - لم يأمر بكتابة مصحف واحد؛ إنما كتب بأمره عدة مصاحف، ووجَّه كلا منها إلى مصر من أمصار المسلمين، فماذا يقول أصحاب هذا القول فيها؟ أيقولون إنه رأى اللحن في جميعها متفقًا عليه فتركه لتقيمه العرب بألسنتها، أم رآه في بعضها؟ .

فإن قالوا: في بعض دون بعض، فقد اعترفوا بصحة البعض، ولم يذكر أحد منهم ولا من غيرهم أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءات وليس ذلك بلحن.

وإن قالوا: رآه في جميعها، لم يصح أيضًا؛ فإنه يكون مناقضًا لقصده في نصب إمام يقتدى به على هذه الصورة، وأيضًا فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم سادات الأمة وعلماؤها فكيف يقيمه غيرهم؟ (٢)

وعلى تقدير صحة الرواية فيجاب عنها بهذه الوجوه التالية أيضًا.

[الوجه الثالث: اللحن المراد به هنا هو: اللغة.]

قال أبو بكر بن أبي داود: هذا عندي يعني بلغتها، وإلا لو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعًا لما استجاز أن يبعث به إلى قوم يقرءونه.

قلت: ولذا فقد فسر رحمه الله ما بوب به على هذا الفصل، فقد بوب بابًا: اختلاف ألحان العرب في المصاحف ثم قال موضحًا معنى الألحان فقال: والألحان: اللغات. (٣)


(١) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٢/ ٢٧١.
(٢) النشر في القراءات العشر ١/ ٥١٩، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٢/ ٢٧٠.
(٣) المصاحف ١/ ٢٣٢: ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>