ويقول بولس: "طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. ٨ طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً" (رومية ٤/ ٧ - ٨)، فثمة أناس عفا الله عن خطاياهم وذنوبهم، وسترها عليهم، من غير دم يسفك عنهم، ولا تناقض بين عدل الله ورحمته بشأنهم (١).
[الفصل التاسع: ماذا تحقق من الخلاص بالصلب المزعوم للإله؟]
الوجه الأول: أي شيء تغير بوقوع الصلب المزعوم؟ وأي فتنة انطفأت؟ وأي آثام مُحيت؟
وأما قولهم: إنه أراد أن يستسلم ويبذل نفسه فداء عن الناس لينقذهم من الخطيئة والبأس، فهذا كلام من الكلام السخيف، وذلك أنه لا يخلو أن يفديهم بنفسه من عقاب نفسه أو عقاب غيره.
فإن كان إنما فداهم من عقاب نفسه، فما حاجته أن يرذل نفسه في أمر هو يملكه وزمامه بيده؟ فهلا عفا عنهم وأعفا نفسه من القتل والإهانة!
وإن كان إنما افتداهم من عقاب غيره فقد صار ضعيفًا عاجزًا لم يمكنه صلاح عباده إلَّا بأن يشفع لهم، ثم لا تقبل شفاعته حتى يبذل نفسه للصفع والإهانة والموت.
والعجب أنه مع بذل نفسه لهذه المحن لم تقبل شفاعته، ولم يحصل لهم الفداء الذي يدعون، هذا مع أن المشفوع إليه أبوه، أفلم يكن له عند أبيه من الجاه ما يُشَفِّعه في مطلوبه وهو معافى من هذه المحن بلا قتله وصلبه من غير إسعافه بمراده؟
ومثل هذا الفعل لا يصدر إلَّا من العدوّ المشاحن وأرباب الحقود والضغائن، ومما يتعجب منه أن هذا الرّبّ الذي تدعون بعد أن تعنَّى ونزل إلى الأرض وحَلَّ به ما وصفتم يبتغي بذلك خلاصكم، لم يحصل لكم خلاص ولا تَمَّ له مراد. لأنه إن كان أراد خلاصكم من محن الدنيا فها أنتم باقون على ما كنتم عليه من طبائع البشر وتحمل الضرر ومعالجة