للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمعارضة، وكانوا ينظرون في أمرهم، ويراجعون أنفسهم، أو كان يراجع بعضهم بعضًا في معارضته ويتوقفون لها، فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك، علم أن أهل المعرفة منهم بالصنعة إنما عدلوا عن هذه الأمور؛ لعلمهم بعجزهم عنه، وقصور فصاحتهم دونه، ولا يمتنع أن يلتبس على من لم يكن بارعًا فيهم، ولا متقدّمًا في الفصاحة منهم، هذا الحال حتى لا يعلم إلا بعد نظر وتأمل، وحتى يعرف حال عجز غيره، إلا أنا رأينا صناديدهم وأعيانهم ووجوههم سلموا، ولم يشتغلوا بذلك تحققًا بظهور العجز وتبينًا له. (١)

[١٠ - فصاحة القرآن في جميع الفترات الإنسانية.]

قال حازم القرطاجني في منهاج البلغاء: وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه، استمرارًا لا يوجد له فترة، ولا يقدر عليه أحدٌ من البشر، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه، إلا في الشيء اليسير المعدود، ثم تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه بل توجد في تفاريق وأجزاء منه. (٢)

[١١ - السر في أن القرآن له أسلوب خاص، وأن الأساليب تختلف باختلاف المتكلمين.]

فإعجاز القرآن الكريم في أسلوبه هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه، واختيار ألفاظه؛ فإن لكل كلام إلهي أو بشري أسلوبه الخاص به، وأساليب المتكلمين وطرائقهم في عرض كلامهم من شعر أو نثر، تتعدد بتعدد أشخاصهم بل تتعدد في الشخص الواحد بتعدد الموضوعات التي يتناولها، والفنون التي يعالجها.

- فالأسلوب هو الطريقة التي انتهجها المؤلف في اختيار المفردات والتراكيب لكلامه.

- وهذا هو السر في أن الأساليب مختلفة باختلاف المتكلمين، من ناثرين وناظمين، مع أن المفردات التي يستخدمها الجميع واحدة، والتراكيب في جملتها واحدة، وقواعد صوغ المفردات وتكوين الجمل واحدة، وهذا هو السر أيضًا في أن القرآن لم يخرج عن معهود


(١) إعجاز القرآن للباقلاني ١/ ٤٣.
(٢) الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>