للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأبيد كما ترى (١).

[الوجه الخامس: زعمهم أن التوراة محفوظة في أيديهم كلام باطل.]

إننا لا نسلم لهم ما زعموه من أن التوراة لم تزل محفوظة في أيديهم حتى يصح استدلالهم بها؛ بل الأدلة متضافرة على أن التوراة الصحيحة لم يعد لها وجود، وأنه أصاب من التغيير والتبديل ما جعلها في خبر كان.

من تلك الأدلة أن نسخة التوراة التي بأيدي السامريين تزيد في عمر الدنيا نحوًا من ألف سنة على ما جاء في نسخة العنانيين، وأن نسخة النصارى تزيد ألفًا وثلاثمائة سنة.

ومنها أنه جاء في بعض نسخ التوراة ما يفيد أن نوحًا أدرك جميع آبائه إلى آدم، وأنه أدرك من عهد آدم نحوًا من مائتي سنة، وجاء في بعض نسخ أخرى ما يفيد أن نوحًا أدرك من عمر إبراهيم ثمانيًا وخمسين سنة وكل هذا باطل تاريخيًا.

ومنها أن نسخ التوراة التي بأيديهم تحكي عن الله وعن أنبيائه وملائكته أمورًا ينكرها العقل ويمجها الطبع ويتأذى بها السمع مما يستحيل معه أن يكون هذا الكتاب صادرًا عن نفس بشرية مؤمنة طاهرة فضلًا عن أن ينسب إلى ولي فضلًا عن أن ينسب إلى نبي فضلًا عن أن ينسب إلى الله رب العالمين.

من ذلك أن الله ندم على إرسال الطوفان إلى العالم، وأنه بكى حتى رمدت عيناه، وأن يعقوب صارعه - جل الله عن ذلك كله - ومن ذلك أن لوطًا شرب الخمر حتى ثمل وزنى بابنتيه، ومنه أن هارون هو الذي اتخذ العجل لبني إسرائيل ودعاهم إلى عبادته من دون الله.

ومن الأدلة أيضًا على فساد دعوى بقاء التوراة وحفظها ما ثبت بالتواتر عند المؤرخين بل عند اليهود أنفسهم من أن بني إسرائيل وهم حملة التوراة وحفاظها قد ارتدوا عن الدين مرات كثيرة، وعبدوا الأصنام، وقتلوا أنبياءهم شر تقتيل. ولا ريب أن هذه مطاعن شنيعة جارحة لا تبقي لأي واحد منهم أي نصيب من عدالة أو ثقة، ولا تحمل لهذه النسخ


(١) الإحكام في أصول الأحكام (٣/ ١١٤)، مناهل العرفان (٢/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>