للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا الطاعة للزوج، والقيام بالغزل والنسيج، وطهي الطعام، وإذا خرجت من بيتها خرجت مستورة الجسم من قمة رأسها إلى أخمص قدمها.

ولعله لهذا بقيت آثار البرقع والحجاب عند أهل الكتاب حتى يومنا هذا، وذلك واضح في زي راهبات النصارى، ودخول النصرانيات الكنيسة، وقد غطين رءوسهن بساتر، بل هن حتى اليوم في حفلات أعراسهن يغطين وجوههن بنقاب شفاف فلعله من بقايا دينهم.

[الوجه الثاني: إثبات الحجاب في الحضارات القديمة.]

إن كلَّ قارئ للتاريخ، فضلا عن أن يكون منقِّبًا في صفحاته ليعلم أن حجاب المرأة كان معروفًا قبل الإسلام بقرون عديدة.

[١ - اليونان.]

ففي الحضارة اليونانية قبل انهيارها كان الحجاب معروفًا للمرأة، وكان عفاف المرأة وتصونها من أغلى ما يعتز به المجتمع اليوناني قبل أن تنهار حضارته (١).


(١) فرضت أثينا وأغلب بلاد اليونان الحجاب على النساء الحرائر، ورفعته عن الإماء والبغايا. ففي بيوت الكريم -على سبيل المثال- كانت المرأة أو الفتاة التي أتتزوج بعد، تقبع في ركن الكريم لا تغادره حتى زواجها؛ حيث يتم نقلها إلى بيت الزوجية. ولم يكن الزوجان يرى أحدهما الآخر إلا ليلة الزفاف. . ولم يكن الزواج يخول المرأة حرية الاختلاط بالرجال، ولا حرية الخروج من المنزل. فلم تكن المرأة تستقبل في دارها سوى النساء، أو أقاربها الأقربين من الذكور، ولا يسمح لها باستقبال ضيوف زوجها، أو مجالستهم، أو تناول الطعام معهم ولو بحضور زوجها، بل كان مجرد حضور الزوج مصحوبًا بأحد أصدقائه سببًا في اختفاء المرأة في الجزء الخارجي من الدار، لتحتمي في الغرف المخصصة للنساء.
وعندما قدم (كورنيلوس تيبوس)، المؤرخ الروماني، لزيارة اليونان في القرن الأول قبل الميلاد، أدهشته حياة العزلة والانفصال التي تعيشها المرأة اليونانية، وهو الذي تعود في بلده على اختلاط الجنسين، فكتب يقول: (كثير من الأشياء التي نظمها الرومان بلباقة، يرى فيها اليونانيون منافاة لحسن الآداب. فأي روماني يستشعر العار من اصطحابه زوجته إلى مأدبة؟ والرومانيات يشغلن عادة الحجرات الأولى من المنزل، والأكثر تعرضًا للرؤية، حيث يستقبلن كثيرًا معارفهن. وأما عند اليونايين فالأمر على النقيض. فنساؤهم لا يشتركن في مأدبة إلا إذا كانت لدى أقاربهن، وهن يشغلن دائمًا الجزء الأكثر انزوًاء من المنزل، والذي دخوله محرم على كل رجل غير قريب). =

<<  <  ج: ص:  >  >>