للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما لم يؤثر جمع بين الإعلان والإسرار، وكلمة {ثُمَّ} دالة على تراخي بعض هذه المراتب عن بعض إما بحسب الزمان، أو بحسب الرتبة؛ لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الإسرار والجهار أغلظ من الجهار وحده (١).

ثم بعد ذلك سخروا منه، كانوا يرونه يعمل السفينة، فيقولون: يا نوح صرت بعد النبوة نجارًا (٢)، كما قال الله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود: ٣٨].

الوجه الرابع: شكاية نوح - عَلَيْهِ السَّلَام - قومه لربه، وبيان إعراضهم مع علم الله بذلك.

قال تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: ٢١ - ٢٥].

يقول تعالى مخبرًا عن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه أنهى إليه، وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء، أنه مع البيان المتقدم ذكره، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى، أنهم عصوه وكذبوه وخالفوه، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله، ومتع بمال وأولاد، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام؛ ولهذا قال: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} قال مجاهد: {كُبَّارًا} أي: عظيمًا، وقال ابن زيد {كُبَّارًا} وأي: كبيرًا، وأي: باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق والهدى (٣).

(ووَدًّا وَسُوَاعًا وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.

وقصتهم ذكرها البخاري رحمه الله في صحيحه (٤٩٢٠) فدعا على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم، وبسبب كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم (٤). فدعاهم إلى الله ونبههم على هذه الدلائل الظاهرة، فلم يستجيبوا فحكى عنهم


(١) تفسير الفخر الرازي (٣٠/ ١٣٧، ١٣٦).
(٢) تفسير فتح البيان لصديق حسن خان (٦/ ١٧٧).
(٣) تفسير ابن كثير (١٤/ ١٤٢) باختصار.
(٤) تفسير ابن كثير (١٤/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>