أنواع قبائحهم وأقوالهم وأفعالهم، فقال تعالى:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} وذلك لأنه قال في أول السورة: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} فكأنه قال: قلت لهم أطيعون فهم عصوني، ثم قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} فذكر في الآية الأولى أنهم عصوه وفي هذه الآية أنهم ضموا إلى عصيانه معصية أخرى وهي طاعة رؤسائهم الذين يدعونهم إلى الكفر، ولم يكتفوا بذلك بل: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤)} فالمتبوعين مكروا وقالوا للأتباع: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} و {كُبَّارًا} مبالغة في الكبر.
المكر الكبار هو أنهم قالوا لأتباعهم:{وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا} فهم منعوا القوم عن التوحيد، وأمروهم بالشرك، ولما كان التوحيد أعظم المراتب لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر فلهذا وصفه الله تعالى بأنه كبار، واستدل بهذا من فضل علم الكلام على سائر العلوم، فقال: الأمر بالشرك كبار في القبح والخزي، فالأمر بالتوحيد والإرشاد وجب أن يكون كبارًا في الخير والدين.
وسمي الله فعلهم {مَكْرًا} لوجهين:
الأول: لما في إضافة الإلهية إليهم من الحيلة الموجبة لاستمرارهم على عبادتها، كأنهم قالوا: هذه الأصنام آلهة لكم، وكانت آلهة لآبائكم، فلو قبلتم قول نوح لاعترفتم على أنفسكم بأنكم كنتم جاهلين ضالين كافرين، وعلى آبائكم بأنهم كانوا كذلك، ولما كان اعتراف الإنسان على نفسه، وعلى جميع أسلافه بالقصور والنقص والجهل شاقًا شديدًا، صارت الإشارة إلى هذه المعاني بلفظ آلهتكم صارفًا لهم عن الدين، فلأجل اشتمال هذا الكلام على هذه الحيلة الخفية سمى الله كلامهم {مَكْرًا}.
الثاني: أنَّه تعالى حكى عن أولئك المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد، فلعلهم قالوا لأتباعهم: إن آلهتكم خير من إله نوح، لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد، وإله نوح لا يعطيه شيئًا لأنه فقير، فبهذا المكر صرفوهم عن طاعة نوح، وهذا مثل مكر فرعون إذ قال: