للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكنيسة، ومتى كان ذلك؟ لقد كان ذلك بعد حادثة الصلب والقتل، وإذا كان ذلك هو قصد الله عز وجل فلماذا لم يعلنه للجنس البشري من بدء الخليقة على ألسنة الأنبياء والرسل، ولماذا لم يوضحه الله -عَزَّ وَجَلَّ- في كتابه؟ ولماذا لم يوضحه المسيح في الإنجيل؟ (١).

وتظهر العقيدة النصرانية الله -عَزَّ وَجَلَّ- عاجزًا عن العفو عن آدم وذنبه، حائرًا في الطريقة التي ينبغي أن يعاقبه بها بعد أن قرر عقوبته، ويظهر قرار العقوبة وكأنه قرار متسرع يبحث له عن مخرج، وقد امتد البحث عن هذا المخرج قرونًا عديدة، ثم اهتدى إليه بعدُ، فكان المخرج الوحيد هو ظلم المسيح وتعذيبه على الصليب كفارة عن ذنب لم يرتكبه (٢).

وفي هذا الصدد نسأل سؤالًا لا يجوز إغفاله أو الحيدة عن إجابته: كيف جهل الأنبياء ذلك المعتقد الهام، فلم يذكروه في كتبهم كما لم يذكره المسيح ولم يعرفه تلاميذه من بعده، حتى جاء به بولس وآباء الكنيسة، فكشفوا ما غاب عن الأنبياء والمرسلين؟ (٣).

الوجه الرابع: ما بال الذين ماتوا قبل مجيء المسيح كفارًا كانوا أم مؤمنين؟

ويقال للنصارى: ما تقولون فيمن اخترم قبل مجيء المسيح، أكفارًا كانوا أم مؤمنين؟ ، فإن قالوا: مؤمنين، فقد سَلَّموا أنه لا حاجة إلى قتل المسيح في تخليصهم، إذ إيمانهم هو الذي خلصهم.

وإن قالوا: بل كانوا كفارًا، أكذبهم المسيح إذ يقول في الإنجيل: "إني لم أرسل إلَّا إلى الذين ضلّوا من بيت إسرائيل، وإن الأصحاء لا يحتاجون إلى الدواء" (متى ٩/ ١٥: ١٢).

ثم نقول لهم: ألستم تزعمون أن المسيح إنما تجشَّم ونزل من السماء لخلاص معشر الناس كما عقدتم في الأمانة التي لكم؟ ! فإذا قالوا: بلى. قلنا لهم: فما قولكم فيمن مات قبل نزوله عليه السلام؟ ! . وكيف الطريق إلى بلوغ دعوته إليهم؟ ! .

فإن قالوا: تعذّر تلافي أمره وفات استدراكه بموته. قلنا لهم: جوَّزتم المسيح ونسبتموه إلى الظلم والحيف حيث لم ينْزل لخلاصهم قبل موتهم، فلِمَ أخَّر ذلك حتى اخترموا على


(١) أقانيم النصارى (١١٦).
(٢) هل افتدانا المسيح؟ (١٥٩).
(٣) هل افتدانا المسيح؟ (١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>