للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها، ولعل ذلك كان أول ما تقررت تلك القاعدة: (الغاية تشفع للوسيلة). (١)

ثانيًا: استبداد الكنيسة بفهم الكتب المقدسة

ولقد احتجزت الكنيسة لنفسها الحق في فهم الكتب المقدسة عندهم، واستبدت بتفسيرها دون سائر الناس، ولا معقب لما تقول في هدا التفسير، أو في رأي تبديه، أو أمر تعلنه، وعلى الناس أن يتلقوا قولها بالقبول وافق العقل أو خالفه، وعلى المسيحي إذا لم يستسغ عقله قولا قالته أو مبدأ دينيًا أعلنته أن يروض عقله على قبوله، فإن لم يستطع، فعليه أن يشك في العقل، ولا يشك في قول البابا.

ولقد كانت تعلن أمورًا ما جاء بها الكتاب المقدس عندهم، وما تعرض له المسيحيون الأولون، ولا المجامع الأولى، وهي أمور غريبة جد الغرابة، بعيدة عن القبول في أحكام العقل جد البعد، وتلزم المسيحيين بها، وتفرضها عليهم فرضًا، ومن قال كلمة فيها فالويل له ينزلونه به في الدنيا ولا ينتظرون حساب الديان في الآخرة.

ونذكر القارئ على سبيل المثال بمسألتين كان لها أثر في الفكر المسيحي، وبسببهما عما وغيرهما تقدم المصلحون في جرأة داعين إلى إصلاح الكنيسة بالحسنى أو بغير الحسنى. هاتان المسألتان هما مسألة الاستحالة ومسألة الغفران.

أما مسألة الاستحالة فالأساس فيها ما علمت في شرح الشعائر النصرانية، من أن المسيحيين يأكلون يوم الفصح خبزًا ويشربون خمرًا، ويسمون ذلك العشاء الرباني، ولقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح، وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك، فمن أكلهما وقد استحالا هذه الاستحالة فقد أدخل المسيح في جسده بلحمه ودمه، وذلك أمر غريب في العقل، لا يستطيع أن يستسيغه أحد بيسر وسهولة، بل لا يستطيع أن يستسيغه قط. إذ كيف يتحول الخبز لحمًا، وكيف يصير لحم شخص معين معروف. وكيف تتحول الخمر دما، وتصير دم شخص معين معروف؟ ذلك غريب بل


(١) مجلة المنار (٥/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>