بذرة ثم نبتًا ثم شجرًا، فانظر إلى ما صار أمر هذه البدايات بحكم الطبيعة.
وقر في نفوس المسيحيين أن السلامة في ترك الفكر والأخذ بالتسليم وتقرر عند القوم قاعدة:(إن الجهالة أم التقوى) فحصروا التعليم في الأديار، ومنعت الكنيسة أن ينشر التعليم بين العامة إلا ما كان دعوة إلى الصلاح وتقرير الإيمان على وجه ظاهر. ويبقى غير القسيسين في جهالة حتى بأمور الدين وحقائقه وأسراره.
لم يكن يسمح لأحد أن يبدي رأيا يخالف صريح ما في الكتاب ولذلك صور كثيرة نذكر منها:
أ - عندما أظهر بلاج رأيه في أن الموت كان يوجد قبل آدم أي إن الحيوانات كان يدركها الموت قبل أن يخطئ آدم بالأكل من الشجرة، قام لذلك ضوضاء وارتفعت جلبة وانتهى الجدال والجلاد إلى صدور أمر إمبراطوري بقتل كل شخص يعتقد ذلك. يقول المؤرخ: وهكذا عد الاعتقاد بأن الموت كان يزور الأحياء قبل آدم جريمة على الملك.
ب - أحرقت كتب البطالسة والمصريين بالأسكندرية قال أوروسيوس المؤرخ: إنه رأى أدراج المكتبة خالية من الكتب بعد أن نال تيوفيل الأمر الإمبراطوري بإتلافها بنحو عشرين سنة.
ج - ثم جاء تيوفيل ابن أخته سيريل وكان خطيبًا مفوهًا له على الشعب سلطان بفصاحته. وكان في الإسكندرية بنت تسمى هيباتي الرياضية تشتغل بالعلوم والفلسفة، وكان يجتمع إليها كثير من أهل النظر في العلوم الرياضية، وكان لا يخلو مجلسها من البحث في أمور أخرى، خصوصًا في هذه المسائل الثلاث: من أنا؟ وإلى أين أذهب؟ وماذا يمكنني أن أعلم؟ فلم يحتمل ذلك القديس سيريل، مع أن البنت لم تكن مسيحية بل كانت على دين آبائها المصريين فأخذ يثير الشعب عليها حتى قعدوا لها وقبضوا عليها في الطريق سائرة إلى دار ندوتها. وجردوها من ثيابها وأخذوها إلى الكنيسة مكشوفة العورة وقتلوها هناك، ثم قطع جسمها وجرد اللحم عن العظم وما بقي منها ألقي في النار: يقول المؤرخ راوي هذه القصة: ولم يسأل سيريل عما صنع بهيباتي ولم تنظر الحكومة الرومانية فيما وقع