للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الله، وأن لعن الفساق والكفار عامة، أو لعن صِنْف معين منهم في الجملة جائز، ولكنه غير محمود شرعًا، والأولى أن يستبدل الإنسان بذلك اللعن ذكر الله، أو الكلام في الخير.

إن جواز لعن الصنف أو النوع بمعنى عدم تحريمه مقيد بما إذا لم يكن سبًّا لهم في وجوههم؛ لأن السب محرم في ذاته؛ لأنه بذاء مذموم وسبب للشحناء والعدوان، وقد خهى الله تعالى عن سب معبودات المشركين، لئلا يسبوا معبود المؤمنين، فقال في سورة الأنعام: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: ١٥٨) ولا يخفى أن حرمة الكتابي أعظم من حرمة المشرك واتقاء تنفيره أهم، وأن إيذاءه إذا كان ذميًّا أو معاهدًا أو مستأمنًا محرم بالإجماع، وأنه لا يصح أن يجعل لعن الفاسقين ذريعة إلى تنفيرهم عن فسقهم، كأن يحضر مجلس السكارى ويلعن شاربي الخمر على مسمع منهم؛ لأن الإرشاد يجب أن يكون بالمعروث واللين؛ هذا وإن لعن صنف من الكفار أو الفساق في حضرة أفراد من الصنف هو بمثابة لعن الأشخاص، فهو معصيتان؛ لأنه سب علني من جهة، ولعن لأشخاص معينين من جهة أخرى (١).

الوجه الرابع: من لعن من الله أو رسوله فهو حقًّا قد استحق اللعن.

إن اللعن ما وقع في القرآن والسنة إلا لحكمة بالغة لا يعلمها إلا رب العزة سبحانه وتعالى، ومن نظر في من لعنه الله سبحانه وتعالى ومن لعنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفهم معنى اللعن في كل أمر على حده؛ علم حقًّا ويقينًا أن كل من لعنه الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو حقًّا ملعون.

أولًا: من الذين لعنوا في القرآن؟

١ - إبليس: لرفضه -وتحديه للأمر الرباني أمر رب العالمين بالسجود لآدم- وتكبره -وغروره- وحسده لآدم قال الله إخبارًا عن إبليس: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ١١٨]، لعنه الله"، أخزاه وأقصاه وأبعده وذلك لقوله: {لَأَتَّخِذَنَّ


(١) (مجلة المنار- المجلد [٨] الجزء [١٦] (صـ ٦٢٥)، ٦ شعبان ١٣٢٣ - ١٥ أكتوبر ١٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>