للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك في موقفه من تلك الفتنة كما أن كل من كان معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئًا آخر لم يعلن عنه سيكون هذا الموقف مغامرة ولا يقدم عليه إذا كان ذا أطماع، ومعاوية كان من كتاب الوحي، ومن أفاضل الصحابة، وأصدقهم لهجة، وأكثرهم حلمًا فكيف يعتقد أن يخالف الخليفة الشرعي ويهرق دماء المسلمين من أجل ملك زائل، وهو القائل: واللَّه لا أخير بين أمرين بين اللَّه وبين غيره إلا اخترت اللَّه على ما سواه. وقد ثبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال فيه: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهد به" (١)، وقال: "اللهم علمه الكتاب وقه العذاب" (٢). (٣)

ثانيًا: إذا كان الأمر على ما مر بالنسبة لموقف معاوية فمع من كان الصواب في هذه الحرب؟

وإذا كان الصواب في جانب عليّ فما هو الخطأ في جهة معاوية -رضي اللَّه عنه-؟

١ - قال ابن العربيّ -رحمه اللَّه-: وأما الصواب فيه فمع عليّ -رضي اللَّه عنه-

لأن الطالب للدم لا يصح أن يحكم وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده فإن ظهر له قضاء وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم اللَّه فيه، وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه فيقوم له عذر في الدنيا، ولئن اتهم عليّ بقتل عثمان فليس في المدينة أحد من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا وهو متهم به أو قل معلوم قطعًا أنه قتله؛ لأن ألف رجل جاءوا لقتل عثمان لا يغلبون أربعين ألفًا.

وهب أن عليًا وطلحة والزبير تضافروا على قتل عثمان فباقي الصحابة من المهاجرين والأنصار ومن اعتد فيهم وضوى إليهم ماذا صنعوا بالقعود عن نصرته؟

فلا يخلو أن يكون لأنهم رأوا أولئك طلبوا حقًا وفعلوا حقًا فهذه شهادة قائمة على عثمان فلا كلام لأهل الشام، وإن كانوا قعدوا عنه استهزاء بالدين وأنهم لم يكن لهم رأس مال في الحال ولا مبالاة عندهم بالإسلام ولا فيما يجري فيه من اختلال، فهي ردة ليست


(١) رواه الترمذي (٣٨٤٢)، وصححه الألباني في المشكاة (٦٢٣٥).
(٢) رواه أحمد (٤/ ١٢٧)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٢٢٧).
(٣) فتنة مقتل عثمان (١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>