للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو من عشرة آلاف. فهذا هو الحامل لعليّ -رضي اللَّه عنه- على الكف عن تسليمهم لتعذره كما عرفت، ويحتمل أن عليًا -رضي اللَّه عنه- رأى أن قتلة عثمان بغاة حملهم على قتله تأويل فاسد استحلوا به دمه -رضي اللَّه عنه- لإنكارهم عليه أمورًا، كجعله مروان ابن عمه كاتبًا له ورده إلى المدينة بعد أن طرده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منها، وتقديمه أقاربه في ولاية الأعمال، والباغي إذا انقاد إلى الإمام العدل لا يؤاخذ بما أتلفه في حال الحرب عن تأويل دمًا كان أو مالًا كما هو المرجح من قول الشافعي -رضي اللَّه عنه-، وبه قال جماعة آخرون من العلماء. وهذا الاحتمال -وإن أمكن- لكن ما قبله أولى بالاعتماد منه؛ فإن الذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة، وإنما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم ولأنهم أصروا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحق لهم، وليس كل من انتحل شبهة يصير بها مجتهدًا، لأن الشبهة تعرض للقاصر عن درجة الاجتهاد، ولا ينافي هذا ما هو المقرر في مذهب الشافعي -رضي اللَّه عنه- من أن من لهم شوكة دون تأويل لا يضمنون ما أتلفوه في حال القتال كالبغاة لأن قتل عثمان -رضي اللَّه عنه- لم يكن في قتال، فإنه لم يقاتل، بل نهى عن القتال حتى إن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- لما أراده قال له عثمان: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت بسيفك إنما تراد نفسي وسأقي المسلمين بنفسي كما أخرجه ابن عبد البر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة.

٩ - ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أيضًا أن معاوية -رضي اللَّه عنه- لم يكن في أيام عليّ خليفة؛ وإنما كان من الملوك وغاية اجتهاده أنه كان له أجر واحد على اجتهاده، وأما عليّ -رضي اللَّه عنه- فكان له أجران أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته. (١)

١٠ - وهكذا تتضافر الروايات وتشير إلى أن معاوية خرج للمطالبة بدم عثمان وأنه صرح بدخوله في طاعة علي -رضي اللَّه عنهم- إذا أقيم الحد على قتلة عثمان ولو فرض أنه اتخذ قضية القصاص والثأر لعثمان ذريعة لقتال عليّ طمعا في السلطان، فماذا سيحدث سيحدث لو تمكن عليّ من إقامة الحد على قتلة عثمان حتمًا ستكون النتيجة خضوع معاوية لعليّ ومبايعته له؛ لأنه التزم


(١) الصواعق المحرقة لابن حجر المكي (٢/ ٦٢٢، ٦٢٣، ٦٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>