للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإصلاح بينهما وإن لم تكن واحدة منهما مأمورة بالقتال فإذا بغت الواحدة بعد ذلك قوتلت، لأنها لم تترك القتال ولم تجب إلى الصلح، فلم يندفع شرها إلا بالقتال، فصار قتالها بمنزلة قتال الصائل الذي لا يندفع ظلمه عن غيره إلا بالقتال كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" (١)، قالوا: فبتقدير أن جميع العسكر بغاة فلم نؤمر بقتالهم ابتداء بل أمرنا بالإصلاح بينهم وأيضًا فلا يجوز قتالهم إذا كان الذين مع عليّ ناكلين عن القتال فإنهم كانوا كثيري الخلاف عليه ضعيفي الطاعة له، والمقصود أن هذا الحديث لا يبيح لعن أحد من الصحابة ولا يوجب فسقه وأما أهل البيت فلم يسبوا قط وللَّه الحمد. (٢)

٨ - وقال الهيثمي: ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى بين معاوية وعليّ -رضي اللَّه عنهما- من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية لعليّ في الخلافة للإجماع على أحقيتها لعليّ، فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من عليّ تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه، فامتنع عليّ ظنًّا منه أن تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي يؤدي إلى اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة أهل الإسلام سيما وهي في ابتدائها لم يستحكم الأمر فيها، فرأى عليّ -رضي اللَّه عنه- أن تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها ويتم له انتظام شملها، واتفاق كلمة المسلمين ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدًا فواحدًا ويسلمهم إليهم. ويدل لذلك أن بعض قتلته عزم على الخروج على عليّ ومقاتلته لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان، وأيضًا فالذين تمالؤا على قتل عثمان كانوا جموعًا كثيرة كما علم مما قدمته في قصة محاصرتهم له إلى أن قتله بعضهم جمع من أهل مصر قيل سبعمائة، وقيل ألف، وقيل خمسمائة، وجمع من الكوفة، وجمع من البصرة، وغيرهم قدموا كلهم المدينة وجرى منهم ما جرى، بل ورد أنهم هم وعشائرهم


(١) أصله في البخاري (٢٣٤٨)، ومسلم (١٤١)، وهذا لفظ الترمذي (١٤٨٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٢ - ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>