للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة القوم فساء صباح المنذرين"، فخرجوا يسعون في السكك فقتلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المقاتلةَ، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل عتقها صداقها. (١) وفي رواية: ( .. فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أَعْطِنِي جَارِيةً مِنَ السَّبْي، قَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً"، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ. قَالَ: "ادْعُوهُ بِهَا"، فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُذْ جَارِيةً مِنَ السَّبْي غَيْرَهَا". (٢)

قال النووي: قَالَ المازِرِيّ وَغَيْره: يَحْتَمِل مَا جَرَى مَعَ دِحْيَة وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون رَدَّ الْجَارِيَة بِرِضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي غَيْرهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي جَارِيَة لَهُ مِنْ حَشْو السَّبْي لَا أَفْضَلهنَّ، فَلَمَّا رَأَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَخَذَ أَنْفَسهنَّ وَأَجْوَدهنَّ نَسَبًا وَشرَفًا فِي قَوْمهَا، وَجَمَالًا اِسْتَرْجَعَهَا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْذَن فِيهَا، وَرَأَى فِي إِبْقَائِهَا لِدِحْيَة مَفْسَدَة لِتَمَيُّزِهِ بِمِثْلِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْش، وَلِمَا فِيهِ مِنْ اِنْتِهَاكهَا مَعَ مَرْتَبَتهَا، وَكَوْنهَا بِنْت سَيِّدهمْ، وَلمِا يَخَاف مِنْ اِسْتِعْلَائِهَا عَلَى دِحْيَة بِسَبَبِ مَرْتَبَتهَا، وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ شِقَاق أَوْ غَيْره، فَكَانَ أَخْذه - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا لِنَفْسِهِ قَاطِعًا لِكُلِّ هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمتخَوَّفَة، وَمَعَ هَذَا فَعَوَّضَ دِحْيَة عَنْهَا. وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: "إِنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْم دِحْيَة، فَاشْتَرَاهَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعَةِ أَرْؤُس، يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: (وَقَعَتْ فِي سَهْمه) أَي: حَصَلَتْ بِالْإِذْنِ فِي أَخْذ جَارِيَة لِيُوَافِق بَاقِي الرِّوَايَات، وَقَوْله: (اِشْتَرَاهَا) أَيْ: أَعْطَاهُ بَدَلهَا سَبْعَة أَنْفُس تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، لَا أَنَّهُ جَرَى عَقْد بَيْع، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِق الرِّوَايَات. (٣)

[الوجه الثالث: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغتصب صفية وحاشاه.]

والدليل على ذلك عدة أمور: أولها: إشهار عرسه عليها. ففي بعض روايات الحديث: " .. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا؛ وَهِي صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيي، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الأَرْضُ


(١) البخاري (٤٢٠٠)، مسلم (١٣٦٥)
(٢) البخاري (٣٧١)، مسلم (١٣٦٥).
(٣) شرح النووي ٥/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>