كتاب موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام

الشبهة الرابعة عشر: قالوا بأن النسخ يتعارض مع قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: ٩] - الوجه الثاني: بيان معنى قوله تعالى: {أو ننسها} - ج: 4 - ص: 523

بعثته - عليه السلام - فلا يسمى ذلك نسخًا كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]، وقيل: إنها مطلقة، وإن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - نسختها، فعلى كل تقدير فوجوب اتباعه معين؛ لأنه جاء بكتاب هو آخر الكتب عهدا بالله تبارك وتعالى.

ففي هذا المقام بين تعالى جواز النسخ، ردا على اليهود، عليهم لعائن الله، حيث قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧)} الآية، فكما أن له الملك بلا منازع، فكذلك له الحكم بما يشاء، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] (١).

الوجه الثاني: بيان معنى قوله تعالى: {أَوْ نُنْسِهَا}

الآية فيها قراءتان:

أولًا: قراءة (ننسأها) وعلى هذا تكون بمعنى التأخير، فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها) (٢)، وَ"نَنْسَأهَا" مِنْ التَّأْخِيرِ، يُقَالُ: نَسَأَت الشَّيْءَ: أَخَّرْته، وَالنَّسِيئَةُ: الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} يَعْنِي تَأْخِيرَ الشُّهُور، وَأَمَّا مَعْنَى قِرَاءَةِ "أَوْ نَنْسَأْهَا" فَإِنَّمَا هُوَ بِأَنْ يُؤَخِّرَهَا فَلَا يُنَزِّلُهَا وَيُنَزِّلُ بَدَلًا مِنْهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْمصْلحَةِ أَوْ يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخِّرَ إنْزَالَهَا إلَى وَقْتٍ يَأْتِي فَيَأْتِي بَدَلًا مِنْهَا لَوْ أَنْزَلَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَقُومَ مَقَامَهَا فِي الْمُصْلِحَةِ (٣).

قال مكي بن أبي طالب: "جعلاه - أبو عمرو وابن كثير - من التأخير على معنى: أو نؤخر نسخ لفظها نأت بخير منها، فهو من: نسأ الله في أجلك، أي أخر فيه. وتأخر النسخ

---

(١) تفسير القرآن العظيم (٢/ ١٢: ١٤)، تفسير الطبري (١/ ٤٨١)، الكشاف (١/ ١٧٦).
(٢) الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (٣٦)، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها لأبي محمد مكي بن أبي طالب (١/ ٢٥٨) التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو (٦٤) الموضح في وجوه القراءات لابن أبي مريم (١/ ٢٩٦)، النشر في القراءات العشر لابن الجزري (٢/ ٢٢٠).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٥٩)، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (١/ ١٦٨) النكت والعيون (١/ ١٧١)، تفسير البغوي (١/ ١٠٤)، تفسير الرازي (٣/ ٢٢٦).