للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهَنَاءِ، فَلَوْ أَطْلَعَ الله رَسُولَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَى الْفَوْرِ بِذَلِكَ لَفَاتَتْ هَذه الحكَمُ وَأَضْعَافُهَا، بَلْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهَا. (١)

[ثاني عشر: ثم قال الكاتب (لكن عائشة لم تجب - يعني على سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها - وشرعت في البكاء.]

ولكنها أجابت بما هو أبلغ من الإجابة التي يقصدها الكاتب حيث قالت: (قلت: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ: إِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أنفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئةٌ - وَالله يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ - لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - وَالله يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَتُصَدِّقُنِّي وَالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف ١٨).

[ثالث عشر: وقولها لأبي بكر: هلا عذرتني، وإدعاء الكاتب بذلك أن أبا بكر كان يشك فيها.]

والحق أن أبا بكر قال لها: لَا أَدْرِي لِأَنَّهُ كَانَ كَثِير الاتِّبَاع لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَأَجَابَ بِمَا يُطَابِق السُّؤَال فِي المَعْنَى، وَلأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَحَقَّق بَرَاءَتهَا لَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُزَكِّيَ وَلَده. وَكَذَا الجوَاب عَنْ قَوْل أُمّهَا: لَا أَدْرِي. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة الْآتِيَة: (فَقَالَ: مَاذَا أَقُول. وَفِي رِوَايَة أَبِي أُويْس، فَقُلْت لِأَبِي: أَجِبْ، فَقَالَ: لَا أَفْعَل، هُوَ رَسُول الله وَالْوَحْي يَأْتِيه) (٢). فيفهم من هذا أن أبا بكر سكت ليس شاكًا فيها، وإنما سكتط متأدبًا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومع الوحي وعملًا بقول الله تعالي {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

رابع عشر: لماذا لم تذكر الروايات إلا أربعة في حين قال الله تعالي فيهم {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}؟

والجواب من وجوه:

١ - أن أهل العصبة في اللغة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض - وعلى هذا فلا يلزم منه عدد.

٢ - أن العصبة من ثلاثة إلى عشرة، وعليه فلا إشكال.

٣ - أنها من عشرة إلى أربعين أو إلى خمسة عشر، فيكون المراد من سعى ومن ساعدهم.


(١) زاد المعاد (٣ - ١٦٦).
(٢) فتح الباري (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>