للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ". (١)

[الوجه الثالث: رفض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال والجاه والنساء عندما عرضه عليه أهل مكة.]

ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة عرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المال، والملك، والجاه؛ من أجل أن يتخلى عن دعوته فرفض ذلك كله، وفضَّل أن يبقى على شظف العيش مع الاستمرار في دعوته، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناءٍ.

قال عتبة بن ربيعة يومًا وهو جالس في نادي قريشٍ والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أمورًا؛ لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنَّا؟ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أبن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطةِ في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيمٍ فرّقْتَ به جماعتهم، وسَفَهْتَ به أحلامَهم، وعِبْتَ به آلهتَهم ودينَهم، وكَفَّرْتَ به مَن مضى مِن آبائهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها؛ لعلك تقبل منا بعضها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا؛ جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سَوَّدناك علينا؛ حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا في أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوَى منه.

حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه. قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟ " قال: نعم. قال: "فاسمع مني". قال: أفعل، قال: " {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤)} إلى أن بلغ {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣)}


(١) البخاري (١٤٦٩)، ومسلم (١٠٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>