للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وهذا فيه تثبيت للأمة، وإعلام لهم أن صفة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (الأعراف: ١٥٧). ثم إنهم مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم، كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه، ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)} أي: لا يؤمنون إيمانًا ينفعهم، بل حين لا ينفع نفسًا إيمانها؟ ولهذا لما دعا موسى - عليه السلام - على فرعون وملئه قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨)} (يونس: ٨٨)، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)} (الأنعام: ١١١). (١)

[الوجه الخامس: أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد الإخبار عن غيره.]

قال القرطبي: الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد غيره، أي لست في شك ولكل غيرك شك. وال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد: سمعت الإمامين ثعلبًا والمبرد يقولان: معنى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} أي يا عابد الوثن: إن كنت في شك من القرآن؛ فأسأل من أسلم من اليهود، يعني عبد الله بن سلام وأمثاله، لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لليهود أنهم أعلم منهم، من أجل أنهم أصحاب كتاب، فدعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم، هل يبعث الله برسول من بعد موسى.

وقال القتبي: هذا خطاب لمن كان لا يقطع بتكذيب محمد ولا بتصديقه - صلى الله عليه وسلم -، بل كان في شك.

والذي يدل على صحة هذا الوجه وجوه:


(١) تفسير ابن كثير ٢/ ٥٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>