للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

وصف الله تعالى المتقين بأنهم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ولم يُصرُّوا عليها، فدلَّ على أنَّ المتقين قد يَقَعُ منهم أحيانًا كبائر وهي الفواحش، وصغائر وهي ظُلمُ النفس، لكنَّهم لا يُصرُّون عليها، بل يذكرون الله عَقِبَ وقوعها، ويستغفرونه ويتوبون إليه منها، والتوبة: هي تركُ الإصرار على الذنبِ.

ومعنى قوله: {ذَكَرُوا اللَّهَ} أي: ذكروا عظمته وشِدَّة بطشه وانتقامِه، وما توعد به على المعصية من العقابِ، فيوجب ذلك لهم الرجوعَ في الحال والاستغفارَ وتركَ الإصرار، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)}، لما كان العبدُ مأمورًا بالتقوى في السرِّ والعلانية مع أَنَّه لابُدَّ أنْ يقع منه أحيانًا تفريط في التقوى، إما بترك بعض المأمورات، أو بارتكاب بعض المحظورات، فأمره أنْ يفعل ما يمحو به هذه السيئة وهو أنْ يتبعها بالحسنة، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤)}، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبعِ السَّيِّئةً الحَسَنَةَ تمَحُهَا، وخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (١).

الوجه الثالث: أن الإنسان ضعيف أمام الذَّنْب، وهو بحاجة دائمة لأن يلجأ إلى الله.

فالإنسان ضعيف بحاجة إلى التوبة والمغفرة، وسبيل النجاة هو الالتجاء لله: قال تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، خُلق من ماء مهين لا يصبر على الشهوات، وضعُف عزمه عن قهر الهوى، وأن ضعفه يعم هذا كله، فإنه ضعيف البنية ضعيف القوة ضعيف العلم ضعيف الصبر وآلافات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل في صيب الحدور فبالاضطرار لا بد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده فإن تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلاك أقرب إليه من نفسه وخلقه على هذه الصفة هو من الأمور التي


(١) جامع العلوم والحكم لابن رجب (٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>