للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: أي: بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى ألا يؤديه (١).

فمن قول ابن كثير يتضح أنه ليس بشرط أن من كان قائمًا عليهم ليستخلص حقه منهم، أن يكون قارئًا كاتبًا، فَرُب رجلًا أمِّيًا لا يقرأ ولا يكتب أقوى في الحجة واستخلاص حقه والإلحاح على خصمه ممن حصل على شهادات عليا.

الوجه الثاني: قوله: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}

قال ابن كثير: أي: إنَّمَا حَمَلهم على جُحود الحق أنهم يقولون: ليس علينا في ديننا حَرَج في أكل أموال الأمييّن، وهم العرب، فإن الله قد أحلها لنا (٢).

الوجه الثالث: أدلة على أن أهل الكتاب حاولوا طمس الحقائق أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مراقبًا لهم فوفّقه لله لكشف أمرهم، مطبقًا لقوله تعالى: {لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}.

وذلك سواء كان طمس الحقائق في الأمور الدنيوية من إخفاء الأمانات والديون، أو في الأمور الدينية من إخفاء الحقائق الموجودة في كتبهم.

فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ الْيَهُودِ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لِلْيَهُودِ مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا قَالُوا نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيِهِمَا قَالَ: "فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فَجَاءُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمنْ يَرْضَوْنَ يَا أَعْوَرُ اقْرَأْ فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الحجَارَةَ" (٣).

فلو كان النبي يقرأ التوراة لقرأها هو أيضًا مثلما أعطت اليهود لأنفسهم الحق أن يقرأها رجل أعور منهم.


(١) تفسير القرآن العظيم ٢/ ٦٠.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٢/ ٦٠.
(٣) البخاري (٧٥٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>