للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلَامًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلامًا بَلْ سَيْفًا. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.

وقد صرح في عدة مواضع من الإنجيل أن الإخلال بشيء من محبة المسيحية أو بالانقياد إلى جميع ما أوصى به موجب للهلاك، وإن كان قد جاء في مواضع كثيرة أن الإيمان وحده كاف في الخلاص، غير أن روح الشدة التي جاءت في قوله: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا الخ) هي التي بقي أثرها في نفوس الأولين من المعتقدين بالدين المسيحي وعفت على آثار ما كان يصح أن تستشعره النفوس من بعض الوصايا الآخر.

[نتائج هذه الأصول وآثارها]

أولًا: الإعراض عن النظر في الكون والاستفادة منه بالتعلم:

هنا أعرض المسيحيون الأولون عن شواغل الكون وصدوا عن سبيل النظر فيه إظهارًا للغنى بالإيمان والعبادة عن كل شيء سواهما، وحجروا على همم النفوس أن تنهض إلا إلى الدعوة إلى ذلك الإيمان وتلك العبادة، ووسائل الدعوة هي الإيمان والعبادة كذلك، فإذا نزعت العقول إلى علم شيء من العالم وضعوا أمام نظرها كتب العهد القديم وحصروا العلم بين دفاتها استغناء بالوحي عن كل عمل للعقل سوى فهمه من عباراته، وليس يسوغ لكل ذي عقل فهمه، بل إنما يتلقى فهمه من رؤساء الكنيسة، خوفًا من الزيغ عن الإيمان السليم (البروتستانت رأوا أنه يجوز لغير الكنيسة تفسير الكتاب المقدس).

ثم إن إلقاء السيف ووضع التفريق بين الأقارب والأحبة إنما جاء حافظًا لذلك كله، فإذا خطر على قلب أحد خاطر سوء يرمي إلى معارضة شيء من أمور الإيمان المقررة وجب قطع الطريق على ذلك المخاطر ولم يجز في شأن صاحبه هوادة ولا مرحمة، كما أفهمه المسيح بعمله، على حسب ما ورد في الإنجيل، فقد قيل له: (هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ". فَأَجَابَ وَقَال لِلْقَائِلِ لَهُ: "مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟ " ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلَامِيذه وَقَال: "هَا أُمِّي وَإِخْوَتي.) ونحو ذلك مما يدل على وجوب المقاطعة بين من يعتقد بالدين المسيحي ومن يحيد عن شيء من معتقد. ولا يخفى أن الشيء يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>