فالإنسان إذا أَوْدى بها، وقضى عليها، ولم يشغل نفسه بمشاغل الدنيا وشواغبها، فلروحه أن تنال الخلاص من دورة التناسخ.
ويقولون: ليست هناك سبل أخرى للتخلص من دورة التناسخ غير هذه؛ لأنه من المحال إذا انشغل الإنسان بمشاغل الدنيا وشواغبها وشؤونها الخلَّابة أن يأمن على نفسه الافتتان بالدنيا، والاسترسال وراء شهواتها وملاهيها، والنتيجة اللازمة لذلك - يقولون - إن من أراد لنفسه الخلاص من دورة التناسخ فعليه أن ينعزل عن الدنيا، ولا يسكن إلا في الغابات، ورؤوس الجبال وكهوفها، وإن لم يفعل ذلك فعليه أن ييأس من الخلاص من دورة التناسخ، ويستعد للانضمام إلى طبقات الحيوانات والنباتات.
فالناس نتيجة لذلك إما أن يسلكوا الطريق المرسوم للخلاص من دورة التناسخ بزعمهم فتفنى البشرية كلها لو سلكت هذا الطريق.
وإما إنسان لن يمشي في هذا الطريق وهو بالتالي لا يبالي لأنه ليس مسئولًا عن حاضره ولا يهمه مستقبله. (١)
تظهر فكرة انعدام المسئولية الفردية عند البشرية بصورة أخرى، كلها غير معقول:
فتظهر بصورة أخذ الثأر من أي قريب للقاتل، وتظهر بصورة الإيمان بأن الإنسان غيرُ مسئول أمام أحد عند الملحدين الفوْضَوِيِّين، وتظهر بصورة أن الإنسان مسئُولٌ أمام القانون فقط، فإذا استطاع أن يهرب من عين القانون فعل ما شاء.
[٣ - عند اليهود]
وهناك صورة أخرى تنعدم فيها المسؤولية موجودة عند اليهود، فاليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار، الذي غفر له كل شيء، فمهما فعلوه من جرائم أو مآس أو مفاسد أو مظالم، فإن خصوصيتهم هذه تجعلهم بمنجاة من العذاب، فأنَّى يؤفكون؟ ! .
هذه بعض الصور التي كانت ولا زالت موجودة إلى اليوم بين بني آدم - عليه السلام -.
(١) انظر: الحضارة الإسلامية أسسها ومبادؤها/ أبو الأعلى المودودي.