فيا تُرى ماذا فعل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالوحي الذي أنزل إليه؟ هل غيَّر هذا المفهوم أم بقي كما هو بدون تغيير؟
لقد كان الإعلان الذي أعلنه الإسلام؛ هو أن الإنسان لا يتحمل إلا مسؤولية أعماله وحده، فلا يتحمل مسؤُولية ذنب جَدٍّ، ولا مسؤولية ذنب أخ وعم، إلا إذا كان له علاقة في الموضوع، وأن الجيل اللاحق لا يتحمل أوزار الجيل السابق، وإنما الإنسان مسئولٌ عن أعماله وحدَهُ صغيرِها وكبيرِها أمام الله في الآخرة.
قال عز وجل:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر: ١٨].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ."(١)
فأصبح المسلم يحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة، حتى قال قائل المسلمين: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام".
ونادى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال حين أنزل الله - عز وجل - {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} [الشعراء: ٢١٤] " يا معشر قريش - أو كلمةً نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما
(١) رواه البخاري (٥١٨٨)، مسلم (٤٨٢٨)، واللفظ له. عن ابن عمر رضي الله عنهما.