للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أن الشهر بالرؤية فقط، فيكون تسعًا وعشرين، أو بتكملة ثلاثين، فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية (١).

[الوجه الخامس: ذكر من قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بيده في صلح الحديبية.]

ومنهم السمناني وأبو ذر والباجي: وذكروا أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاط لأسبابها؛ وإنما أجرى الله تعالى على يده كمعجزة، وأنه ما زال بعد ذلك لا يقرأ ولا يكتب.

قال السمناني، وأبو ذر، والباجي (٢): وظاهر هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - محا تلك الكلمة التي هي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وكتب مكانها ابن عبد الله وقد رواه البخاري بأظهر من هذا فقال: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب فكتب وزاد في طريق أخرى: ولا يحسن أن يكتب فقالوا بجواز هذا الظاهر عليه وأنه كتب بيده. ورأوا أن ذلك غير قادح في كونه أميا ولا معارَض بقوله {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} ولا بقوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".

بل رأوه زيادة في معجزاته. واستظهارا على صدقه، وصحة رسالته، وذلك أنه كتب من غير تعلم لكتابة ولا تعاط لأسبابها.

وقالوا إنما أجرى الله تعالى على يده وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها ابن عبد الله لمن قرأها فكان ذلك خارقًا للعادة؛ كما أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ عِلْمَ الأولين والآخرين من غير تعلم ولا اكتساب؛ فكان ذلك أبلغ في معجزاته، وأعظم في فضائله، ولا يزول عنه اسم الأمي بذلك؛ ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: ولا يحسن أن يكتب فبقي عليه اسم الأمِّي مع كونه قال كتب (٣).


(١) سير أعلام النبلاء ١٤/ ١٩٠.
(٢) السمنان هو أبو عمرو الفلسطيني. وأبو ذر هو عبد الله بن أحمد الهروي، والباجي هو أبو الوليد.
(٣) انظر: تفسير القرطبي (١٣/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>