قال الإمام فخر الدين: وجه الإعجاز في القرآن: الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب. (١)
وفيه مسائل:
[١ - سبب نزول القرآن باللسان العربي]
قال الباقلاني: فإنّا لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشيء الواحد من الأسماء ما نعرف من اللغة، وكذلك لا نعرف فيها الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة على ما تتناوله العربية، وكذلك التصرف في الاستعارات، والإشارات، ووجوه الاستعمالات البديعة، التي يجيء تفصيلها بعد هذا، ويشهد لذلك من القرآن: أن الله تعالى وصفه بأنه {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} وكرر ذلك في مواضع كثيرة، وبين أنه رفعه عن أن يجعله أعجميًّا؛ فلو كان يمكن في لسان العجم إيراد مثل فصاحته، لم يكن ليرفعه عن هذه المنزلة، وأنه وإن كان يمكن أن يكون من فائدة قوله إنه {عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، أنه مما يفهمونه ولا يفتقرون فيه إلى الرجوع إلى غيرهم، ولا يحتاجون في تفسيره إلى سواهم، فلا يمتنع أن يفيد ما قلناه أيضًا كما أفاد بظاهره ما قدّمناهُ.
وبيَّن ذلك أن كثيرًا من المسلمين قد عرفوا تلك الألسنة، وهم من أهل البراعة فيها، وفي العربية، فقد وقفوا على أنه ليس فيها من التفاضل والفصاحة، ما يقع في العربية. ومعنى آخر وهو: أنَّا لم نجد أهل التوراة والإنجيل ادّعوا الإعجاز لكتابهم، ولا ادّعى لهم المسلمون؛ فعُلم أن الإعجاز مما يختص به القرآن. ويبين هذا أن الشعر لا يتأتّى في تلك الألسنة على ما قد اتفق في العربية، وإن كان قد يتفق منها صنف أو أصناف ضيقة، لم يتفق فيها من البديع ما يمكن ويتأتى في العربية، وكذلك لا يتأتى في الفارسية جميع الوجوه التي تتبين فيها الفصاحة على ما يتأتى في العربية.