للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: ضعف الأحاديث من ناحية المتن:

فلأن طلب الشفاعة لأخذ الحق ليس ابتغاءً للفرج من عند غير الله، وإلا لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأصحابه إذا أتاه صاحب حاجة: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أراد" (١).

فأخذ الأسباب ابتغاء الفرج من عند الله، ولو وقع إنسان في بئر مثلًا وكان يستطيع أن ينادي مَنْ بالطريق بجوار البئر ليخرجه لزمه ذلك، كما يلزمه إمساك الحبل لمن ألقاه إليه خلافًا للمنقول عن بعض المتقدمين من تركه النداء حتى يرسل الله إليه الحبل، فهل كان ترك النداء توكلًا والإمساك بالحبل نقصًا في التوكل، فالمسألة واحدة في الأمرين؛ كلاهما سبب (٢).

قال القرطبي: في هذه الآية دليل على جواز التعلق بالأسباب؛ وإن كان فإن الأمور بيد مسببها، ولكنه جعلها سلسلة وركب بعضها على بعض، فتحريكها سنة، والتعويل على المنتهى يقين، والذي يدل على جواز ذلك نسبة ما جرى من النسيان إلى الشيطان كما جرى لموسى في لقيا الخضر، وهذا بَيِّنٌ فتأملوه (٣).

وقال الرازي: واعلم أن الاستعانة بالناس جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فهذا وإن كان جائزًا لعامة الخلق إلا أن الأولى بالصديقين أن يقطعوا نظرهم عن الأسباب بالكلية وأن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب (٤).

الوجه الثالث: أن قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، لا ينافي التوكل؛ لأن يوسف - عليه السلام - كان ذاكرًا لربه في كل أحواله.

والذين قالوا ذلك القول قالوا: كان الأولى أن يتوكل على الله، ولا يقول: {اذْكُرْنِي


= وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة) من له رواية في كتب الستة للذهبي - التاريخ الكبير (٤/ ١٣٥)، الجرح والتعديل (٤/ ٢٥٧)، لسان الميزان (٣/ ٥٨).
(١) أخرجه البخاري (١٤٣٢)، مسلم (٢٦٢٧).
(٢) تأملات إيمانية في سورة يوسف (١٢٦: ١٢٥).
(٣) تفسير القرطبي ٩/ ٢٠٤: ٢٠٣.
(٤) تفسير الرازي ١٨/ ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>