للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشوكاني: النسخ جائز عقلا واقع سمعًا بلا خلاف في ذلك بين المسلمين إلا ما يروى عن أبي مسلم الأصفهاني فإنه قال: إنه جائز غير واقع. وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلًا فظيعًا، وأعجب من جهله بها حكاية من حكى عنه الخلاف في كتب الشريعة؛ فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية. (١)

[الشبهة الثانية: إنكار لبعض الآيات التي تثبت النسخ بتأويلات غير صحيحة]

الآية الأولى: قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)} [البقرة: ١٠٦]، فقد سلكوا مسلكًا آخر يقصدون به إبطال دلالة الآية على وقوع النسخ. واستدلوا بوجوه من عندهم وهي:

الأول: أن المراد من الآيات المنسوخة هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل، كالسبت والصلاة إلى المشرق والمغرب مما وضعه الله تعالى عنا وتعبدنا بغيره؛ فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية.

الثاني: المراد من النسخ نقله من اللوح المحفوظ وتحويله عنه إلى سائر الكتب وهو كما يقال: نسخت الكتاب.

الثالث: الآية لا تدل على وقوع النسخ؛ بل على أنه لو وقع النسخ لوقع إلى خير منه (٢).

والجواب عليه من هذه الوجوه:

الوجه الأول: الآيات إذا أطلقت فالمراد بها آيات القرآن؛ لأنه هو المعهود عندنا. والمعنى أن العرب لم يستعملوا كلمة آية بمعنى شريعة، وأن القرآن الكريم أيضًا لم يستعملها في أداء هذا المعنى بدليل خُلو معجم القرآن، ومعاجم اللغة منه فتفسير الآية بالشريعة تفسير لا يستقيم (٣).


(١) إرشاد الفحول (١٨٥).
(٢) الرازي في تفسيره (٣/ ٢٣٠).
(٣) تفسير الرازي (٣/ ٢٣٠)، النسخ في القرآن الكريم د/ مصطفى زيد (١/ ٢٥١، ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>