القول الأول: لا نخوض في تأويلها؛ لأن هذا علمٌ مستورٌ، وسِرٌّ محجوبٌ، استأثر الله تبارك وتعالى به، ولا يجب أن نتكلم فيها، ولكن نؤمن بها ونُمِرُّها كما جاءت.
القول الثاني: لنا أن نفسرها ونلتمس ما فيها من المعاني.
قال ابن عطية: والصواب ما قاله الجمهور أن تُفَسَّرَ هذه الحروفُ ويُلتَمَسَ لها التأويل (١).
والدليل على هذا القول - الثاني -:
أما الآيات فأربعة عشر:
أحدها: قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: ٢٤] أَمَرَهُمْ بالتدبر في القرآن، ولو كان غير مفهوم فكيف يأمرهم بالتدبر فيه؟
ثانيها: قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢] فكيف يأمرهم بالتدبر فيه لمعرفة نفي التناقض والاختلاف مع أنه غير مفهوم للخلق؟
ثالثها: قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥] فلو لم يكن مفهومًا بطل كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - منذرًا به، وأيضًا قوله:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} يدل على أنه نازل بلغة العرب، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون مفهومًا.
رابعها: قوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣] والاستنباط منه لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه.