للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صائرة زوجًا له؛ لأن علم النبيّ بما سيكون لا يقتضي إجراؤه وإرشاده، أو تشريعه بخلاف علمه أو ظنه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن أبا جهل مثلًا لا يؤمن ولم يمنعه ذلك أن يبلغه الرسالة ويعاوده الدعوة، ولأن رغبته في حصول شيء لا تقتضي إجراء أمره على حسب رغبته إن كانت رغبته تخالف ما يحمل الناس عليه.

ولذلك كله لا يعدّ تصميم زيد على طلاق زينب عصيانًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أمره في ذلك كان على وجه التوفيق بينه وبين زوجه، ولا يلزم أحدًا المصير إلى إشارة المشير. (١)

[الوجه السادس: أن الله هو الذي زوجها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.]

قال ابن كثير: وكان الذي وَلِي تزويجها منه هو الله - عز وجل - بمعنى: أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر.

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لما انقضت عدة زينب - رضي الله عنها - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة: اذهب فاذكرها عليّ؛ فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها وأقول إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فولّيتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي - عز وجل - فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إذن. (٢)

فكانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات. (٣)

وعن زينب بنت جحش قالت: خطبني عدة من قريش فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستشيره، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين هي ممن يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها؟ " قالت: ومن هو يا رسول الله؟ قال زيد بن حارثة قال: فغضبت حمنة غضبًا شديدًا وقالت:


(١) التحرير والتنوير ٢١/ ٢٦١.
(٢) تفسير ابن كثير ٣/ ٦٤٧، والحديث أخرجه مسلم (١٤٢٨).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>