ثم قال: وأما نحن فلا يجوز أن نتعدى حدود اللَّه فيما وردت به فنقول: إن من وقع على امرأة أبيه بعقد أو بغير عقد، أو عقد عليها باسم نكاح وإن لم يدخل بها، فإنه يقتل ولا بد محصنًا كان أو غير محصن ويخمس ماله، وسواء أمه كانت أو غير أمه، دخل بها أبوه أو لم يدخل بها، وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه، كأمه التي ولدته من زنى أو بعقد باسم نكاح فاسد مع أبيه، فهي أمه وليست امرأة أبيه، أو أخته، أو بنته، أو عمته، أو خالته، أو واحدة من ذوات محارمه بصهر أو رضاع فسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد، فهو زانٍ وعليه الحد فقط، وإن أحصن فعليه الجلد والرجم كسائر الأجنبيات لأنه زنا، وأما الجاهل في كل ذلك فلا شيء عليه. اهـ (١)
ثالثًا: الحكمة من تحريم نكاح المحرمات
لقد حرم الباري -جل وعلا- نكاح المحرمات سواء كانت القرابة عن طريق النسب أو الرضاع أو المصاهرة، وجعل هذه الحرمة مؤبدة لا تحل بحال من الأحوال، وذلك لحكم عظيمة جليلة نبينها بإيجاز فيما يلي:
أما تحريم النساء من النسب فإن اللَّه -جل ثناؤه- جعل بين الناس من الصلة ما يتراحمون بها ويتعاونون على جلب المنافع ودفع المضار، وأقوى هذه الصلات صلة القرابة، ولما اقتضت طبيعة الوجود تكوين الأسرة، وكانت هذه الأسرة محتاجة إلى الاختلاط بين أفرادها بسبب هذه الصلة القوية (صلة النسب)، فلو أبيح الزواج من المحارم لتطلعت النفوس إليهن، وكان فيهن مطمع، والنفوس بطبعها مجبولة على الغيرة، فيغار الرجل من ابنه على أمه وعلى أخته، وتغار المرأة من بنتها على زوجها، وذلك يدعو إلى النزاع والخصام وتفكك الأسرة وحدوث القتل الذي يدمر الأسرة والمجتمع، ثم هذا الوليد يتكون جنينًا من دم الأم ثم يكون طفلًا يتغذى من لبنها، فيكون له مع كل مصة من ثديها عاطفة جديدة يستلها من قلبها، والطفل لا يحبط أحدًا في الدنيا مثل أمه، أفليس من