الجناية على الفطرة أن يزاحم هذا الحبَّ العظيم بين الوالدين والأولاد حبُ الاستمتاع بالشهوة؛ فيزحمه ويفسده وهو خير ما في هذه الحياة، ولأجل هذا كان تحريم الأمهات هو الأشد القدم في الآية، ويليه تحريم البنات، ثم الأخوات، ثم العمات والخالات إلخ.
وقد أودع اللَّه في الإنسان فطرة نقية تحجزه عن التفكير في محارمه فضلًا عن حب الاستمتاع بهن، ولولا ما عهد في الإنسان من الشذوذ والجناية على الفطرة، والعبث بها لكان للمرء أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات لأن هذا من قبيل المستحيلات في نظر الإنسان العاقل سليم الفطرة والتفكير.
ثم إن هنا حكمة جسدية حيوية عظيمة، وهي أن زواج الأقارب بعضهم ببعض يضعف النسل، فإذا تسلسلت واستمرت يستمر الضعف والنحافة حتى ينقرض النسل.
وأما المحرمات بالمصاهرة فإن اللَّه عز وجل أكرم البشرية بهذه الرابطة الإنسانية، وامتن على الناس بقرابة الصهر التي تجمع بين النفوس المتباعدة المتنافرة بروابط الألفة والمحبة {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤)} (الفرقان: ٥٤).
فإذا تزوج الإنسان من عشيرة صار كأحد أفرادها؛ فينبغي أن تكون أم زوجته كأمه في الاحترام، وبنتها التي في حجره كبنته التي من صلبه، وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته وهكذا، ومن القبح أن تكون البنت ضرة لأمها، والابن طامعًا في زوجة أبيه؛ فإن ذلك ينافي حكمة المصاهرة، ويكون سبب فساد العشيرة.
وأما المحرمات بالرضاع فإن الحكمة فيهن ظاهرة وهي: أن من رضع من امرأة كان بعض بدنه جزءًا منها؛ لأنه تكون من لبنها، فصارت في هذا كأمه التي ولدته وصار أولادها إخوة له؛ لأن لتكوين أبدانهم أصلًا واحدًا هو ذلك اللبن، واللَّه أعلم. (١)