للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُقُول الْعَامَّة، أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِله أَوْ سَامِعه لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّق بِأَخْبَارِ المُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَة وَتَعْيِين قَوْم وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْر مُسْتَحْسَنَة وَذَمّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ. وَالله أَعْلَم. (١)

قال الذهبي: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول، أو الفروع أو المدح والذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى.

وفي صحيح البخاري: قول الإمام علي - رضي الله عنه -: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله. (٢)

وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقتل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة، فله ما نوى وله أجر وإن غلط في اجتهاده. (٣)

قال ابن حجر: وفيه -قول علي - رضي الله عنه - دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة.

ومثله قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما أنت محدثًا قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة (٤)، وممن كره التحديث ببعض دون بعض؛ أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء، بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. (٥)

[الوجه الثالث: هذا الادعاء مخالف لمذهب أبي هريرة - رضي الله عنه -]

فلقد أكثر أبو هريرة من الحديث خوفا من كتمان العلم، فقال - رضي الله عنه -: وَالله لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ الله


(١) شرح صحيح مسلم للنووي كتاب الإيمان؛ باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(٢) البخاري (١٢٧).
(٣) سير أعلام النبلاء ٢/ ٥٩٧.
(٤) رواه مسلم في المقدمة باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.
(٥) فتح الباري (١/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>