للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ملخص ذلك كله]

قال شمس الدين محمد ابن أحمد الشربيني: وكل ما سبق متفق المعنى وذلك أنه أخذه من تراب الأرض، فعجنه بالماء، فصار طينًا، ثم ترك حتى صار حمأ مسنونًا ثم منتنًا ثم صوّره كما يصوّر الإبريق وغيره من الأواني، ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة فصار كالخزف الذي إذا نقر صوت صوتًا، يعلم منه هل فيه عيب أولا؟ فالمذكور هنا آخر تخليقه وهو أنسب بالرحمانية وفي غيرها تارة مبدؤه وتارة أثناؤه، فالأرض أمُّه والماء أبوه ممزوجين بالهواء الحامل للجزء الذي هو من فيح جهنم، فمن التراب جسده ونفسه، ومن الماء روحه وعقله، ومن النار غوايته وحدته، ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه، فالغالب في جبلته التراب، فلهذا نسب إليه، وإن خلق من العناصر الأربع، كما أنّ الجانّ خلق من العناصر الأربع لكن الغالب في جبلته النار فنسب إليها كما قال تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)} (الرحمن: ١٥) (١).

قال ابن القيم: لما اقتضى كمال الرب تعالى جل جلاله وقدرته التامة وعلمه المحيط ومشيئته النافذة وحكمته البالغة تنويع خلقه من المواد المتباينة، وإنشاءهم من الصور المختلفة، والتباين العظيم بينهم في المواد، والصور، والصفات، والهيئات، والأشكال، والطبائع، والقوى؛ اقتضت حكمته أن أخذ من الأرض قبضة من التراب ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون، ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالًا كالفخار، ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات، وصورها فأبدع في تصويرها، وأظهرها في أحسن الأشكال، وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها، وهيأ كلَّ جزء منها لما يراد منه وقدَّره لما خلق له عن أبلغ الوجوه، ففصَّلها في توصيلها، وأبدع في تصويرها وتشكيلها، ثم ذكر تناسل الخلق بالجماع وإنزال المني (٢).


(١) تفسير السراج المنير ٤/ ١٠٩.
(٢) التبيان في أقسام القرآن ص ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>