للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثامن: التبديل في القرآن الكريم يستوجب عقابًا من الله.

إن القرآن الكريم سجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يستطيع أن يبدل في القرآن الكريم كلمة بكلمة أو حرفًا بآخر، وأشار إلى أن هذا التبديل معصية يترتب عليها العقاب الأخروي الشديد، فقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)} [يونس: ١٥].

وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤ - ٤٦].

فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يبدل في القرآن الكريم شيئًا، فهل يملك غيره صحابيًا كان أم تابعيًا أم غيرهما، أن يضع كلمة مكان كلمة، أو حرفًا في موضع حرف (١).

الوجه التاسع: من القراء العشر من كان إمامًا في النحو، ومع ذلك كان يخالف مذهبه في النحو لأجل القراءة، مما يدل على أن الأصل التلقي لا لخلو المصحف من الشكل والنقط.

إن من القراء العشرة قد بلغ الذروة في العربية، وكان فيها إمامًا يُرحل إليه ويؤخذ عنه، وله مذهب خاص اشتهر به، ومع ذلك كان في القراءة لا يتعدى ما نقله عن أئمته، وتلقاه عن شيوخه ولو خالف مذهبه في العربية، من هؤلاء الإمام أبو عمرو ابن العلاء البصري.

قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قُرئ لقرأت كذا وكذا من الحروف، كذا وكذا (٢).

فكان أبو عمرو يخالف مذهبه في النحو اتباعًا للأثر.


(١) القراءات في نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبد الفتاح القاضي صـ ٧٤.
(٢) حسن. أخرجه ابن مجاهد في السبعة صـ ٤٨، صـ ٨٢ من طريق نصر بن علي قال أخبرنا الأصمعي قال سمعت أبا عمرو يقول لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرئ به لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>