للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبلها سبحانه وتعالى فيمن يريد من عباده.

وهذان الشرطان هما:

أولًا: إذن الله سبحانه وتعالى للشافع بأن يشفع.

ومما يدل على هذا الشرط قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، وقوله - عز وجل -: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٣].

ومن السنة حديث الشفاعة الطويل عن أنس - رضي الله عنه - وقد ورد فيه: "فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها" (١).

ثانيًا: رضا الله سبحانه وتعالى عن المشفوع له بأن يكون من أهل التوحيد المتبعين لأوامر الله - عز وجل - المجتنبين لنواهيه، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: ١٠٩]، وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٨].

يقول العلامة السعدي: وكل أحد من الملائكة فما دونهم، خاضعون لهيبته، متذللون لعظمته، وكل الشفعاء تخافه، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير، في ذاته، وأوصافه، وأفعاله، الذي له كل كمال، وكل جلال، وكل جمال، وكل حمد وثناء ومجد، يدعو إلى التقرب من هذا شأنه، وإخلاص العمل له، وينهى عن عبادة من سواه (٢).

ولا يرضي الله إلا عمن قام بتوحيده واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب، أسعد الناس بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - من قال: "لا إله إلا الله خالصا من قلبه". فالشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا لمن أذن له الله - عز وجل - وارتضاه شفيعًا، فيلهمه الله بأن يشفع، فيشفعه الله في من يشاء من عباده.

الوجه الرابع: الشفاعة ليست خاصة بالأنبياء فقط.


(١) البخاري (٧٥١٠)، مسلم (١٨٣) واللفظ له.
(٢) تفسير السعدي (٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>