للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن هذا القول يتضمن عقيدة تستلزم رد مئات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لمجرد كونها في العقيدة، وإذا كان الأمر كذلك؛ فنحن نطالبهم ونخاطبهم بما يعتقدونه، فنقول لهم: أين الدليل القاطع على صحة هذه العقيدة لديكم من آية أو حديث متواتر، قطعي الثبوت، قطعي الدلالة أيضا، بحيث إنه لا يحتمل التأويل؟

الوجه الثالث: أن هذا القول مخالف لجميع أدلة الكتاب والسنة التي نحتج نحن وإياهم جميعًا بها على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام الشرعية، وذلك لعمومها، وشمولها لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، سواء أكان عقيدة، أو حكمًا (١).

الوجه الرابع: أن هذا القول المذكور ليس فقط لم يقل به الصحابة، بل هو مخالف لما كانوا عليه - رضي الله عنهم -، فقد كان الواحد منهم إذا حدث بحديث لا يقول لمن حدثه: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر! .... وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثًا في الصفات مثلًا تلقاه بالقبول، واعتقد تلك الصفة على القطع واليقين، كما اعتقد رؤية الرب، وتكليمه، ونداءه يوم القيامة بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة، وغيرها.

الوجه الخامس: نعلم يقينًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث أفرادًا من الصحابة إلى مختلف البلاد؛ ليعلموا الناس دينهم، كما أرسل عليًا، ومعاذًا، وأبا موسى في نوبات مختلفة، ونعلم يقينا أن أهم شيء في الدين إنما هو العقيدة، فهي أول شيء كان أولئك الرسل يدعون إليه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله جل جلاله (وفي رواية: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله) فإذا عرفوا الله؛ فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات ... " (٢)


(١) وانظر: أدلة إثبات حجية خبر الآحاد السابقة.
(٢) رواه البخاري (١٣٨٩)، ومسلم (١٩)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>