للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عيني تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قلبي" (١)، وقال: "إني لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إني أَبِيتُ يطعمني رَبِّي ويسقيني" (٢)، فأخبر أن سره وباطنه وروحه خلاف جسمه وظاهره، وأن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف، وجوع، وسهر ونوم، لا يحل منها شيء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه وقلبه، وهو - صلى الله عليه وسلم - في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسًا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه وكذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه وخارت قوته فبطلت بالكلية جملته وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك، وأنه بخلافهم لقوله: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي" (٣).

وكذلك أقول: إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يخل به ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما يعتري غيره من البشر (٤).

[عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.]

أولًا: عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في التبليغ وتحمل الرسالة.

إن مهمة الرسل الأولى التي كلفهم الله عز وجل بها إلى الأمم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور، هي التبليغ الذي أوجبه الله تعالى عليهم بمقتضى اصطفائهم للرسالة التي حملهم إياها، فيجب عليهم التبليغ، ويستحيل عليهم أي شيء يخل به ككتمان الرسالة، والكذب في دعواها، وتصور الشيطان لهم في صورة الملك وتلبيسه عليهم في أول الرسالة وفيما بعدها، وسلطه على خواطرهم بالوساوس، لا على وجه العمد، ولا على وجه السهو، ولا في حال الرضى أو السخط، والصحة أو المرض، ويجب على المسلمين اعتقاد ذلك فيهم. وهذه العصمة هي التي عليها المناط، فبها يحصل المقصود من البعثة فتبليغ شرع الله إلى


(١) البخاري (١١٤٧)، مسلم (٧٣٨).
(٢) البخاري (٧٢٩٩)، مسلم (١١٠٢).
(٣) البخاري (٧٢٩٩)، مسلم (١١٠٢).
(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٩٢ - ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>