للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتبة الثالثة: مشيئته لها.

المرتبة الرابعة: خلقه لها.

[المطلب الثالث: الإحسان.]

أولًا: تعريفه: وهو: كما عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (١) والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} (النحل: ١٢٨) هذه المرتبة هي الثالثة من مراتب الدين المفصلة في حديث جبريل المتقدم وهي أعلى مراتب الدين وأعظمها خطرًا، وأهلها هم المستكملون لها السابقون بالخيرات، المقربون في علو الدرجات، وقد جاء الإحسان في القرآن في مواضع كثيرة تارة مقترنًا بالإيمان، وتارة بالتقوى، وتارة بهما معًا، وتارة بالجهاد، وتارة بالإسلام، وتارة بالعمل الصالح مطلقًا، وتارة بالإنفاق في سبيل الله. (٢)

فيعبد الإنسان ربه على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب النصح في أداء العبادة، ويذل الجهد في تحسينها وإتمامها.

فالعبد يراقب ربه في أداء العبادة، ويستحضر قربه منه حتى كأنه يراه، فإن شق عليه ذلك فليستعن على تحقيقه بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته، وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره. (٣)

فالعبد الذي بلغ هذه المنزلة يعبد ربه مخلصًا، لا يلتفت إلى أحد سواه، فلا ينتظر ثناء الناس، ولا يخشى ذمهم، إذ حسبه أن يرضى عنه ربه، ويحمده مولاه.

فهو إنسان تساوت علانيته وسره، فهو عابد لربه في الخلوة والجلوة، موقن - تمام اليقين - أن الله مطلع على ما يكنه قلبه وتوسوس به نفسه، هيمن الإيمان على قلبه، واستشعر رقابة ربه عليه، فاستسلمت جوارحه لبارئها، فلا يعمل بها من العمل إلا ما يحبه


(١) مسلم (٨) من حديث عمر - رضي الله عنه -.
(٢) معارج القبول ٣/ ٩٩٨.
(٣) جامع العلوم والحكم ص: ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>