للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأَخَّرَ؟ فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِالله أَنَا" (١).

وعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - رضي الله عنه - أنَّهُ سَأَل رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَلْ هَذه لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا رَسولَ الله قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا وَالله إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ للهَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ (٢).

وعن أنسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْألونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهَّ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ؛ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي (٣).

وقال ابن حجر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى رَدّ مَا بَنَوْا عَلَيْهِ أَمْرَهُمْ مِنْ أَنَّ الْمغْفُور لَهُ لَا يَحْتَاج إِلَى مَزِيد فِي الْعِبَادَة بِخِلَافِ غَيْره؛ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَعَ كَوْنه يُبَالِغ فِي التَّشْدِيد فِي الْعِبَادَة أَخْشَى لله وَأَتْقَى مِنْ الَّذِينَ يُشَدِّدُونَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ المشَدِّد لَا يَأْمَن مِنْ المُلَل بِخِلَافِ الْمقْتَصِدَ فَأنّهُ أَمْكَنَ لاسْتِمْرَارِهِ وَخَيْر الْعَمَل مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبه (٤).

الوجه الرابع: النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحابي أحدًا.

قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)} [الأنعام: ٥٢].

قال السعدي: أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة والإخلاص، رغبة في


(١) البخاري (٢٠).
(٢) مسلم (١١٠٨).
(٣) البخاري (٥٠٦٣).
(٤) فتح الباري (٩/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>