للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجالسة غيرهم، من الملازمين لدعاء ربهم، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها، ودعاء المسألة، في أول النهار وآخره، وهم قاصدون بذلك وجه الله، ليس لهم من الأغراض سوى ذلك الغرض الجليل، فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم، وإدنائهم، وتقريبهم، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء، وكلّ له حسابه، وله عمله الحسن، وعمله القبيح، {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وقد امتثل - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر، أشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبَّر نفسَه معهم، وأحسن معاملتهم، وألان لهم جانبه، وحسن خلقَه، وقربهم منه، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه - رضي الله عنهم - (١).

ولهذه الآية سبب نزول، فعن المقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قال: فِيَّ نَزَلَتْ {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي سِتَّةٍ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ وَكَانَ المُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ تُدْنِي هَؤُلَاءِ (٢).

وفي رواية: قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا شَاءَ الله أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (٣).

فهكذا، نهى الله سبحانه وتعالى نبيه أن يحابي أحدًا من الكافرين أو المسلمين، فكيف تقولون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرضي قومه؛ لأن الله نهاه عن طاعة الكافرين أو المنافقين؟ هذا من السفه في الفهم، وهذا كان دأب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكافرين والمسلمين، فكان لا يخشى في الله لومة لائم.

وعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُوميَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ


(١) تفسير السعدي (٢٥٧).
(٢) مسلم (٢٤١٣).
(٣) مسلم (٢٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>