للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الغنيمان: وهذه الآية من أعظم الأدلة لمن تأملها على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالله تعالى يخبر عما وقع في نفسه من خشية الناس، فبلغه كما قال الله تعالى مع ما تضمنه من لومه، بخلاف حال الكذاب؛ فإنه يتجنب كل ما يمكن أن يكون فيه عليه غضاضة، ومثل ذلك قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} إلى آخر الآيات ونظائرها في القرآن. (١)

[الوجه الرابع عشر: ذكر السفير بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وزينب رضي الله عنها وما الذي جرى له في ذلك.]

عن أنس - رضي الله عنه - قال (٢): لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة: "اذهب فاذكرها عليّ". فانطلق حتى أتاها وهي تُخَمِّر عَجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري، أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي - عز وجل -، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها بغير إذن، ولقد رأيتنا حين دَخَلَتْ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعته فجعل يتتبع حُجر نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر. قال: فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب، ووعظ القوم بما وعظوا به: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الآية.

وقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي: إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك؛ لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة، فكان يقال له: زيد بن محمد، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ثم زاد ذلك بيانًا


(١) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (٣٢٠).
(٢) أخرجه بنحوه مسلم (١٤٢٨) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>