للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكافرون لا تعاطف عليهم كما قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} والأول أظهر (١).

رابعًا: أنهم يتساءلون عن أسباب ورطتهم، لا تساؤل نجدة من خزيهم:

قال ابن عاشور: إن تساؤلهم المنفي هنالك هو طلب بعضهم من بعض النجدة والنصرة، وأن تساؤلهم هنا تساؤل عن أسباب ورطتهم فلا تعارض بين الآيتين (٢).

قلت: وذلك واضح في القرآن كالآتي:

١ - فالإنسان الذي يعذب قد يتساءل ويتناقش مع من يعذب معه سؤالًا للاستهزاء به كما في قوله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} (إبراهيم: ٢٢).

٢ - أو يتساءل أسئلة مفادها أنه يتعجب من حاله كيف يعذب؟ وكيف لم ينجو من هذا العذاب؟ وكيف نجا مَنْ كان يستهزئ بهم في الدنيا كما في قوله: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (٦٣) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (ص: ٦٢ - ٦٤).

٣ - ويتعجب كيف أن عمره مر كلمح البصر كما في قوله: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (١٠٤)} (طه ١٠٣: ١٠٤) حتى ولو تساءلوا من أجل دفع مضرة أو جلب منفعة فإن هذا لا ينفعهم: كما في قوله: {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} (إبراهيم: ٢١)، فكأنهم يبحثون ويتساءلون عن أسباب ورطتهم.


(١) الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٣١٢ (يونس: ٤٥).
(٢) التحرير والتنوير ١٢/ ١٠٤ (الصافات: ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>