للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاش محمد في جواره خمسة عشر عامًا قبل مبعثه؛ ألا تكفي هذه المدة لنابغة العرب محمد بن عبد الله لكي يأخذ عنه شيئًا من علوم التوراة والإنجيل.

وللرد على الشبهة في الوجوه التالية:

[الوجه الأول: حصر اللقاءات التي تمت بين ورقة والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.]

لنحدد عدد اللقاءات التي تمت روايتها في كتب الحديث والسيرة، وهل فيها ثبت أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان في هذه اللقاءات يقوم ورقة بتحفيظ محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن كما كان يفعل جبريل.

أولًا: ورقة وطفولة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قَالَ ابن إسْحَاق: وَزَعَمَ النّاسُ فِيمَا يَتَحَدّثُونَ - وَالله أَعْلَمُ - أَنّ أُمّهُ السّعْدِيّةَ لمّا قَدِمَتْ بِهِ مَكّةَ أَضَلَّهَا فِي النّاسِ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ بِهِ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَالْتَمَسَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ فَأَتَتْ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: إنّي قَدْ قَدِمْت بِمُحَمّدِ هَذِهِ اللّيْلَةَ فَلَمّا كُنْت بِأَعْلَى مَكّةَ أَضَلّنِي، فَوَالله مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟ فَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو الله أَنْ يَرُدّهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنّهُ وَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيَا بِهِ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَقَالَا لَهُ: هَذَا ابْنُك؟ وَجَدْنَاهُ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَجَعَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ يَعُوذُهُ وَيَدْعُو لَهُ ثُمّ أَرْسَلَ بِهِ إلَى أُمّهِ آمِنَةَ (١).

وروى البيهقي عن عبد الله بن عباس عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها قالت: فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي، فقصدت قصده، فلما نظر إليَّ قال: أسعد نزل بك أم نحوس؟ قالت: قلت: بل نحس الأكبر، ففهمها مني، وقال: لعل ابنك قد ضل منك؟ قالت: قلت: نعم، بعض قريش اغتاله فقتله، فسل عبد المطلب سيفه وغضب، وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه، فنادى بأعلى صوته: يا يسيل؛ وكانت دعوتهم في الجاهلية. قال: فأجابته قريش بأجمعها، فقالت: ما قصتك يا أبا الحارث؟ فقال: فُقد ابني محمد، فقالت قريش: اركب نركب معك، فإن سبقت خيلًا سبقنا معك، وإن خضت بحرًا خضنا معك. قال: فركب وركبت معه قريش، فأخذ على أعلى مكة، وانحدر على أسفلها، فلما أن لم يرَ شيئًا ترك الناس،


(١) الروض الأنف ١/ ٢٩٤، سيرة ابن هشام ١/ ١٦٧، البداية والنهاية ٢/ ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>