صبر نفسه ولم يدفع عنها، ولم يسفك دم مسلم في الدفع عنه فكيف في طلب طاعته وأمثال هذه الأمور التي يتسبب بها الزائغون على المتشيعين العثمانية والعلوية! ، وكل فرقة من المتشيعين مقرة مع ذلك بأن معاوية ليس كفًا لعليّ بالخلافة ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف عليّ -رضي اللَّه عنه-، فإن فضل عليّ وسابقيته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معروفة كفضل إخوانه أبى بكر وعمر وعثمان وغيرهم -رضي اللَّه عنهم- (١).
ولم يكن بقي من أهل الشورى غيره وغير سعد، وسعد كان قد ترك هذا الأمر وكان الأمر قد انحصر في عثمان وعليّ، فلما توفي عثمان لم يبق لها معين إلا عليّ -رضي اللَّه عنه-، وإنما وقع الشر بسبب قتل عثمان. فحصل بذلك قوة أهل الظلم والعدوان وضعف أهل العلم والإيمان حتى حصل من الفرقة والاختلاف ما صار يطاع فيه مَن غيره أولى منه بالطاعة ولهذا أمر اللَّه بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف. ولهذا قيل ما يكرهون في الجماعة خير مما يجمعون من الفرقة.
[دفع إشكال حديث "ويح عمار تقتله الفئة الباغية".]
١ - قد تأوله بعضهم على أن المراد بالباغية الطالبة بدم عثمان كما قالوا نبغي ابن عفان بأطراف الأسل، وليس بشيء.
٢ - بل يقال: ما قاله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو حق كما قاله، وليس في كون عمار تقتله الفئة الباغية ما ينافي ما ذكرناه فإنه قد قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} (الحجرات: ٩ - ١٠) فقد جعلهم -مع وجود الاقتتال والبغي- مؤمنين إخوة، بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين، وليس كل ما كان بغيًا وظلمًا أو عدوانًا يخرج عموم الناس عن الإيمان ولا يوجب لعنتهم. فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون!
وكل من كان باغيًا أو ظالمًا أو معتديًا أو مرتكبًا ما هو ذنب فهو قسمان: متأول، وغير