للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزاء فقط، والدليل عليه أنك إذا قلت إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة بمتساويين، فهو كلام حق؛ لأن معناه أن كون الخمسة زوجًا، يستلزم كونها منقسمة بمتساويين، ثم لا يدل هذا الكلام على أن الخمسة زوج، ولا على أنها منقسمة بمتساويين، فكذا هاهنا هذه الآية، تدل على أنه لو حصل هذا الشك، لكان الواجب فيه هو فعل كذا وكذا، فأما إن هذا الشك وقع أو لم يقع، فليس في الآية دلالة عليه، والفائدة في إنزال هذه الآية على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تكثير الدلائل وتقويتها، مما يزيد في قوة اليقين، وطمأنينة النفس، وسكون الصدر، ولهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد والنبوة. (١)

[الوجه الحادي عشر: أن المقصود بهذا الكلام استمالة قلوب الكفار ورفع الحرج عفهم في السؤال والمناظرة.]

قال الرازي: المقصود من ذكر هذا الكلام استمالة قلوب الكفار وتقريبهم من قبول الإيمان؛ وذلك لأنهم طالبوه مرة بعد أخرى، بما يدل على صحة نبوته وكأنهم استحيوا من تلك المعاودات والمطالبات، وذلك الاستحياء صار مانعًا لهم عن قبول الإيمان فقال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} من نبوتك فتمسك بالدلائل القلائل، يعني أولى الناس؛ بأن لا يشك في نبوته هو نفسه، ثم مع هذا إن طلب هو من نفسه دليلًا على نبوة نفسه بعد ما سبق من الدلائل الباهرة والبينات القاهرة؛ فإنه ليس فيه عيب، ولا يحصل بسببه نقصان، فإذا لم يستقبح منه ذلك في حق نفسه، فلأن لا يستقبح من غيره طلب الدلائل كان أولى، فثبت أن المقصود بهذا الكلام استمالة القوم وإزالة الحياء عنهم في تكثير المناظرات. (٢)

الوجه الثاني عشر: أن يكون هذا السياق إخبار عن عدم شكه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون التقدير أنك لست شاكًا ألبتة ولو كنت شاكًا لكان لك طرق كثيرة في إزالة ذلك الشك كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: ٢٢) والمعنى أنه لو فرض ذلك الممتنع


(١) تفسير الرازي ١٧/ ١٦١ بتصرف.
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>