للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهايات، وللحسن والإحسان معنى ورونق إذا أمكن الإنسان الجمع بينهما. فنظرة إليها خير من جميع ممالك الأرض، وزورة منها وإليها تنسي مؤلمات يوم العرض، فيحصل من لذة جماع هذه ما هو لائق بهذا الطور العجيب والرونق الغريب، من غير إنزال فضلات، ولا رطوبات مستقذرات، منزه عن جميع النداءات، بل كل حالة منها في غاية الرتب العليات، وكل جزء من أجزاء حسنها في غاية الشرف والجلالة فلا عورة لها ولا للمؤمن، ولا سوءة فيها ولا فيه، لأن العورة إنما تبدت في هذه الدار، لكونها مخرج النجاسات والشعر والنتن والرطوبات، فإذا ذهبت هذه المعيبات المنقصات ذهبت بذهابها العورات، وبقيت الحال شريفة علية، لا ينسب إليها خصلة دنية، وإذا كان هذا هو الذي يعتقده المسلمون من الجمع بين النعيم الروحاني المتعلق بالأرواح من إدراك معنى جلال الله تعالى وجماله وتفاصيل صفاته وآلائه المتجددة على ممر الأبد والنعيم الجسماني الذي تقدم تحقيقه؛ كان هو اللائق بالكرم الإلهي والإحسان الرباني، فإن الاقتصار على النعيم الروحاني تقصير من قائله في سعة النعمة وتمام الكرامة، وأن ما يقوله المسلمون يجزم العقل الشريف بأن مثله لا تعرى عنه دار أريدت لغاية الإكرام، وأن يكون على غاية التمام، بل لو فرض عدم هذه الملاذ البديعة منها لقال العقل الوافر لو كان فيها هذه الملاذ لكانت أتم وأكمل، وهي أولى بقول الشاعر: ليس فيها ما يقال له كملت لو أن ذا كملا

فظهر إصابة المسلمين للصواب ببيان الحق واندفع السؤال. (١)

الوجه السادس: الله ينشئ من يدخل الجنة إنشاءً آخر.

وذلك لإعدادهم لرؤية الله، فالجسد في الدنيا لا يتحمل رؤية الله، فعندما طلب موسى من ربه أن يراه، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ. . .}.

ففي قصور الجنة ينظرون إلى الرحمن تبارك وتعالى ويُمَتِّعون أنظارهم. ويلتقون بصفوة البشر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، في نعيم لا يوصف لا هم ولا كدر؛ لا عرق ولا أذى ولا قذر ولا


(١) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. ٢٢٨: ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>