ويكون الله أحب إليه، وآثر عنده، ولا يبقى في القلب سوى محبته، فوطن نفسه على ذلك، وعزم عليه، فخلصت المحبة لوليها ومستحقها، فحصلت مصلحة المأمور به من العزم عليه، وتوطين النفس على الامتثال، فبقي الذبح مفسدة، لحصول المصلحة بدونه، فنسخه في حقه لما صار مفسدة، وأمر به لما كان عزمه عليه، وتوطين نفسه مصلحة لهما، فأي حكمة فوق هذا، وأي لطف وبر وإحسان يزيد على هذا، وأي مصلحة فوق هذه المصلحة بالنسبة إلى هذا الأم ونسخه.
وإذا تأملت الشرائع الناسخة والمنسوخة وجدتها كلها بهذه المنزلة، فمنها ما يكون وجه المصلحة فيه ظاهرًا مكشوفًا، ومنها ما يكون ذلك فيه خفيًا لا يدرك إلا بفضل فطنة وجودة إدراك.
[الوجه العاشر: مقارنة بين الحج في اليهودية والنصرانية والإسلام.]
[الحج في اليهودية]
وقت (أعياد) الحج عندهم.
لو أننا يممنا وجوهنا شطر شعيرة الحج في اليهودية والنصرانية لتبين لنا بوضوح الفروق الجوهرية بين الشعيرة في الرسالات الثلاث، بل لا نغالي إذا قلنا: إن الحج كشعيرة لا وجود له في اليهودية والنصرانية المحرفتين، فليس في اليهودية حج بالمعنى الذي يسبق إلى الذهن، وإنما مجرد أعياد مرتبطة بمواسم الحصاد، وكلمة "أعياد" تقابلها في العبرية كلمة "حَجِّيم" (مفردها "حَج")، ويقابلها أيضًا "موعيد" أو "يوم طوف". وتُستخدَم كلمة حجيم للإشارة إلى عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد المظال